الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
مَنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَدَعَا أَوْ دَعَتْ إلَى الْكِتَابَةِ فُرِضَ عَلَى السَّيِّدِ الْإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يُدْرَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ الْعَبْدَ أَوْ الأَمَةَ يُطِيقُهُ مِمَّا لاَ حَيْفَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ , لَكِنْ مِمَّا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا ، وَلاَ يَجُوزُ كِتَابَةُ عَبْدٍ كَافِرٍ أَصْلاً. برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَوْضُوعَ كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى : فَصَحَّ أَنَّهُ " الدِّينُ " ، وَلاَ خَيْرَ فِي دِينِ الْكَافِرِ وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ , وَأَنْ لاَ دِينَ إِلاَّ الإِسْلاَمُ , وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْرِ , وَكُلُّ خَيْرٍ بَعْدَ هَذَا فَتَابِعٌ لِهَذَا وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَأُكَاتِبُ وَلَيْسَ لِي مَالٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : نَعَمْ.فَصَحَّ أَنَّ الْخَيْرَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ " الْمَالَ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ [ فِي هَذِهِ الآيَةِ ] قَالَ : إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا قَالَ : دِينٌ وَأَمَانَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ : الإِسْلاَمُ وَالْوَفَاءُ وَجَاءَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ الْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ , وَأَبِي رَزِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كِلاَ الأَمْرَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَخِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , إِلاَّ أَنَّهُ نَاقَضَ فِي مَسَائِلِهِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ : فَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ [ تَعَالَى عِنْدَهُمْ ] هَاهُنَا مُلْغًى , لاَ مَعْنَى لَهُ , فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ شَرْطَهُ عِنْدَهُمْ ضَائِعًا , وَشُرُوطَهُمْ الْفَاسِدَةَ عِنْدَهُمْ لاَزِمَةً , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ كِتَابَةَ الْكَافِرِ الَّذِي لاَ مَالَ لَهُ , وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ خَارِجٌ عَنْ الآيَةِ ; لأََنَّهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ أَصْلاً , وَخَارِجٌ عَنْ قَوْلِ كُلِّ مَنْ سَلَفَ , وَهَذَا مِمَّا فَارَقُوا فِيهِ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَا : احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ قَالَ : قِسْنَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ عَلَى مَنْ فِيهِ خَيْرٌ. قَالَ عَلِيٌّ : فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا قَالُوا بِالْقِيَاسِ فِيمَا يُشْبِهُ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لاَ فِيمَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَهَلَّا قَاسُوا مَنْ يَسْتَطِيعُ " الطَّوْلَ " فِي نِكَاحِ الأَمَةِ عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُهُ وَهَلَّا قَاسُوا بِهِ غَيْرَ السَّائِمَةِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى السَّائِمَةِ وَهَلَّا قَاسُوا غَيْرَ السَّارِقِ عَلَى السَّارِقِ , وَغَيْرَ الْقَاتِلِ عَلَى الْقَاتِلِ وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ لاَ نَظِيرَ لَهَا. وقال بعضهم : لَمْ يَذْكُرْ فِي الآيَةِ إِلاَّ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ , وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ , فَأَجَزْنَا كِتَابَتَهُ بِالأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْكِتَابَةِ جُمْلَةً . . فَقُلْنَا لَهُمْ : فَأَبِيحُوا بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ أَكْلَ كُلِّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لقوله تعالى : {كُلُوا وَاشْرَبُوا} وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا كِتَابَةَ الْمَجْنُونِ , وَالصَّغِيرِ : بِعُمُومِ تِلْكَ الأَحَادِيثِ. وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ مُكَاتَبًا إِلاَّ مَنْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبَتَهُ أَوْ أَمَرَ بِهَا. وَأَيْضًا : فَلَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثَرٌ قَطُّ فِي الْمُكَاتَبِ إِلاَّ وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ فَرْضٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى : افْعَلْ أَمْرًا كَذَا , فَيَقُولُ هُوَ : لاَ أَفْعَلُ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَى : إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِلَّا فَلاَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَهُ الْمُكَاتَبَةَ فَأَبَى عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : وَاَللَّهِ لَتُكَاتِبْنَهُ , وَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ , فَكَاتَبَهُ. وبه إلى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إذَا عَلِمْت لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ قَالَ : مَا أَرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَقَالَ لِي أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ : أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْكِتَابَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى , فَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَهُ فَقَالَ عُمَرُ لأََنَسٍ : كَاتِبْهُ فَأَبَى , فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ : كَاتِبْهُ , وَيَتْلُو فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ. وبه إلى ابْنِ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدٍ كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ : أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِالزُّبَيْرِ فَدَخَلَ مَعَهُ عَلَى عُثْمَانَ , فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فُلاَنٌ كَاتَبَهُ فَقَطَّبَ ثُمَّ قَالَ : نَعَمْ. وَلَوْلاَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَبَرَ وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ , وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : مُكَاتَبَتُهُ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا , وَأَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ , وَلاَ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ وَبِإِيجَابِ ذَلِكَ , وَجَبْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا. فَهَذَا عُمَرُ , وَعُثْمَانُ يَرَيَانِهَا وَاجِبَةً , وَيُجْبِرُ عُمَرُ عَلَيْهَا وَيَضْرِبُ فِي الأَمْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ , وَالزُّبَيْرِ يَسْمَعُ حَمَلَ عُثْمَانُ الآيَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا ذُكِّرَ بِالآيَةِ سَارَعَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَتَرَكَ امْتِنَاعَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،. وَخَالَفَ ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ , فَقَالُوا لَيْسَتْ وَاجِبَةً , وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِتَشْغِيبَاتٍ , مِنْهَا : أَنَّهُمْ ذَكَرُوا آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى النَّدْبِ مِثْلَ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا , فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ. وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّهُ لَوْلاَ نُصُوصٌ أُخَرُ جَاءَتْ لَكَانَ هَذَانِ الأَمْرَانِ فَرْضًا , لَكِنْ لَمَّا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَلَمْ يَصْطَدْ صَارَ الأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبًا وَلَمَّا حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقُعُودِ فِي مَوْضِعِ الصَّلاَةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ كَانَ الأَنْتِشَارُ نَدْبًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ نَصٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ الأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ نَدْبٌ صِرْنَا إلَيْهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ مُحَرِّفُ الْقُرْآنِ عَنْ مَوْضِعِ كَلِمَاتِهِ , وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ أَمْرٌ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا أَوْ مَخْصُوصًا. وَقَالُوا : لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّ الأَمْرَ بِهَا نَدْبٌ. قال أبو محمد : وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ , نَعَمْ , وَلَهُ بَيْعُهُ , وَإِنْ كَاتَبَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ , وَلَهُ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِالأَدَاءِ. وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ : أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ أَبُوهُ وَفِي ذَلِكَ بُطْلاَنُ نَذْرِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ لَمْ أَبِعْهُ. وَقَالُوا : لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى عَقْدٍ فِيمَا يَمْلِكُ . فَقُلْنَا : فَكَانَ مَاذَا ، وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ فِي الْأُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى الأَمْتِنَاعِ مِنْ بَيْعِ أَمَتِهِ , وَتَخْرُجُ حُرَّةً مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ , وَقَدْ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَلاَ وَجَدْتُمْ قَطُّ صَوْمَ شَهْرٍ مُفْرَدٍ إِلاَّ رَمَضَانَ , فَأَبْطَلُوا صَوْمَهُ بِذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ : لاَ آخُذُ بِشَرِيعَةٍ حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرًا , وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : لاَ آخُذُ بِهَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرَيْنِ. وَقَدْ وَجَدْنَا : الْمُفْلِسَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ. وَوَجَدْنَا : الشَّفِيعَ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَصْيِيرِ مِلْكِهِ إلَيْهِ. وَقَالُوا : لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى السَّيِّدِ إذَا طَلَبَهُ الْعَبْدُ لَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهُ السَّيِّدُ وَهَذَا أَسْخَفُ مَا أَتَوْا بِهِ ; لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ بِذَلِكَ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ , وَلَمْ يَأْتِ بِهَا إذَا طَلَبَهَا السَّيِّدُ , فَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ قِيَاسًا صَحِيحًا فَلْيَقُولُوا : إنَّهُ لَمَّا كَانَ الزَّوْجُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا , فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ طَلاَقَهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهُ. وَلَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ وَإِنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا إلْزَامُهُ إيَّاهُ وَإِنْ كَرِهَ الشَّفِيعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ سَخِرَ الشَّيْطَانُ بِهِمْ فِيهَا , وَشَوَاذُّ سَبَّبَ لَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ الْمَضَاحِكِ فِي الدِّينِ , فَاتَّبَعُوهُ عَلَيْهَا , وَلاَ نَدْرِي بِأَيِّ نَصٍّ أَمْ بِأَيِّ عَقْلٍ وَجَبَ هَذَا الَّذِي يَهْذِرُونَ بِهِ وَقَالُوا : كَانَ الأَصْلُ أَنْ لاَ تَجُوزَ الْكِتَابَةُ ; لأََنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَسَبِيلُهُ إذْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا ; لأََنَّهُ إطْلاَقٌ مِنْ حَظْرٍ . فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ بَلْ الأَصْلُ لأََنَّهُ لاَ يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ , وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ حَتَّى يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , فَإِذَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا , يَعْصِي مَنْ أَبَى قَبُولَهُ , هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الْعُقُولُ فِيهِ , وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ ، وَلاَ مَعْقُولٌ بِأَنَّ الأَمْرَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ نَدْبًا , بَلْ قَدْ كَانَتْ الصَّلاَةُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرْضًا , وَإِلَى الْكَعْبَةِ مَحْظُورَةً مُحَرَّمَةً , ثُمَّ جَاءَ الأَمْرُ بِالصَّلاَةِ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ , فَكَانَ فَرْضًا. وَقَالُوا : لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا , وَإِنْ أَرَادَهَا الْعَبْدُ بِدِرْهَمٍ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِإِجَابَةِ الْعَبْدِ إلَى مَا أَرَادَ أَنْ يُكَاتَبَ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِجَابَتِهِ إلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ مُجْمَلَةً بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ ; لأََنَّ قوله تعالى : {فَكَاتِبُوهُمْ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ} , وَقَالَ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا , فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ صَدَاقِ مِثْلِهَا , وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ , وَلاَ تُعْطَى بِرَأْيِهَا , وَلاَ يُعْطِي هُوَ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيُّونَ الأَسْتِسْعَاءَ وَالْقَضَاءَ بِهِ وَاجِبًا , فَهَلاَّ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَقَالُوا : إنْ قَالَ الْعَبْدُ : لاَ أُؤَدِّي إِلاَّ دِرْهَمًا فِي سِتِّينَ سَنَةٍ , وَقَالَ الْمُسْتَسْعَى لَهُ : لاَ تُؤَدِّي إِلاَّ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ يَوْمِهِ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ الْخَرَاجَ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ فَرْضًا لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ , ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا هُوَ ، وَلاَ مِقْدَارَهُ. وَكَمْ قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّونَ بِإِيجَابِ فَرْضٍ حَيْثُ لاَ يَحُدُّونَ مِقْدَارَهُ , كَقَوْلِهِمْ : الصَّلاَةُ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ , وَلاَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ , فَهَذَا فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ. وَأَوْجَبُوا الْمُتْعَةَ فَرْضًا ثُمَّ لَمْ يَحُدُّوا فِيهَا حَدًّا , وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَالٍ جَائِزٍ تَمَلُّكُهُ , وَعَلَى عَمَلٍ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى , وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى , لَكِنْ حَالًّا أَوْ فِي الذِّمَّةِ , وَعَلَى نَجْمٍ وَنَجْمَيْنِ وَأَكْثَرَ. وَكُنَّا قَبْلُ نَقُولُ : لاَ تَجُوزُ إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا حَتَّى وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ : ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، هُوَ ابْنُ النُّعْمَانَ الظَّفَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ , فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلاً , وَفِيهِ : فَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي , ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرًا وَفِيهِ : فَأَسْلَمْتُ وَشَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَتْنِي بَدْرٌ , ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَاتِبْ فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ , فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ ثَلاَثَمِائَةِ نَخْلَةٍ , وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ : فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ لِي : اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا , فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلاَ تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي قَالَ : فَقُمْت بِتَفْقِيرِي وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَرْتُ لَهَا سَرَبَهَا ثَلاَثَمِائَةِ سَرْبَةٍ , وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنْ النَّخْلِ , ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَضَعُهُ بِيَدِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهَا تُرَابَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا , فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَةٌ , وَبَقِيَتْ الذَّهَبُ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيتُ فَجِئْتُ , فَقَالَ : اذْهَبْ بِهَذِهِ فَأَدِّهَا بِمَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ فَقُلْتُ : وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ مَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ , قَالَ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَتَّى أَوْفَيْتُهُ الَّذِي عَلَيَّ , قَالَ : فَأُعْتِقَ سَلْمَانُ , وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ , وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال الشافعي : لاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إِلاَّ عَلَى نَجْمَيْنِ لِلأَتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهَا كَذَلِكَ. قال أبو محمد : لاَ حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ صِحَّةِ الْخَبَرِ. فإن قيل : لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ فَهُوَ حُرٌّ وَهَذَا سَلْمَانُ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ قلنا : لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إِلاَّ لِعِتْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَبْلُغْ ; لأََنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : كِتَابَتُهُ جَائِزَةٌ , وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا , فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَقَدْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقَ , وَالْحُرِّيَّةَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا , وَكَانَ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحُدُودِ , وَالْمَوَارِيثِ , وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي الدِّيَاتِ , وَالْمَوَارِيثِ , وَالْحُدُودِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِتَمَامِ أَدَائِهِ. لِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , قَالَ قَتَادَةُ : عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَقَالَ أَيُّوبُ : عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ , وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ يَقْتُلُ يُودِي مَا أَدَّى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِيَةَ الْحُرِّ , وَمِمَّا بَقِيَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيّ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سُلَيْمَانُ : ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ , وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ , ثُمَّ اتَّفَقَ مُعَاذٌ , وَالنَّضْرُ , كِلاَهُمَا يَقُولُ : ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ الْعَبْدِ). وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ : يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لاَ يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ , بَلْ هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا عَيْبُ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ لَهُ بِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ أَرْسَلَهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ , وَأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ : يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَأَوْقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ. قال أبو محمد : أَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا يَكُونُ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ عِنْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ , وَلاَ فَرْقَ , فَإِذَا وَجَدُوا مُسْنَدًا يُخَالِفُ هَوَى أَبِي حَنِيفَةَ , وَرَأْيَ مَالِكٍ : جَعَلُوا إرْسَالَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَيْبًا يَسْقُطُ بِهِ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَهُ , وَيَكُونُ الشَّافِعِيُّونَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمُسْنَدَ لاَ يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ , فَإِذَا وَجَدُوا مَا يُخَالِفُ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ أَشَدَّ الضَّرَرِ , أَيَرَوْنَ اللَّهَ غَافِلاً عَنْ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ , وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ , وَقَتَادَةُ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيٍّ , وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ حَمَّادٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ ; وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , كِلاَهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُودِيَ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا لاَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إيقَافِ ابْنِ عُلَيَّةَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَهُوَ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ ; لأََنَّهُ فُتْيَا مِنْ عَلِيٍّ بِمَا رَوَى , وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لِمَنْ وَقَعَ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَسْنَدَ الْخَبَرَ عَنْ مِثْلِهِ , وَأَوْقَفَهُ آخَرُ , أَوْ أَرْسَلَهُ آخَرُ : أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا لاَ يُوجِبُهُ نَصٌّ ، وَلاَ نَظَرٌ ، وَلاَ مَعْقُولٌ , وَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ لِلْمُسْنَدِ دُونَ شَرْطٍ , فَبَطَلَ مَا عَدَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَالُوا : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ الْمَمْلُوكِ , وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمَا لِمَا رَوَيَا. قال أبو محمد : . فَقُلْنَا : هَبْكَ أَنَّهُمَا تَرَكَا مَا رَوَيَا , فَكَانَ مَاذَا إنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا رَوَيَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ فِي قَوْلِهِمَا. وَقَدْ أَفْرَدْنَا جُزْءًا ضَخْمًا لِمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ , وَأَيْضًا : فَإِنْ كَانَ هَذَا الأَخْتِلاَفُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ الْوَهَنَ فِيمَا رَوَيَا , فَانْفَصَلُوا مِمَّنْ عَكَسَ ذَلِكَ , فَقَالَ : بَلْ ذَلِكَ يُوجِبُ الْوَهَنَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِمَّا هُوَ خِلاَفٌ لِمَا رَوَيَا وَحَاشَا لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : فَكَيْفَ وَقَدْ يَتَأَوَّلُ الرَّاوِي فِيمَا رَوَى وَقَدْ يَنْسَاهُ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفٌ لِمَا رَوَيَاهُ. أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ : إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ , فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ مِنْ تَوْرِيثِ مَنْ بَعْضَهُ حُرٌّ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ ، وَلاَ لِمَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ , لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ : لَيْسَ بَاقِيهِ عَبْدًا , وَلاَ قَالَ فِيهِ : لَيْسَ مَا قَابَلَ مَا أَدَّى حُرًّا , لَكِنْ أَخْبَرَ : أَنَّهُ لاَ يَعْجِزُ , لَكِنْ يُتْبَعُ بِبَاقِي الْكِتَابَةِ فَقَطْ , فَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا لِمَا رَوَى. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ مَمْلُوكٍ , فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ , وَمَا قَابَلَ مِنْهُ , إذَا أَدَّى الْبَعْضَ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَهَذَا صَحِيحٌ , وَبِهِ نَقُولُ , فَبَطَلَ هَذْرُهُمْ , وَدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ : أَنَّهُمَا رضي الله عنهما خَالَفَا مَا رَوَيَا , وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَدْحٌ فِي الْخَبَرِ. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانَ , وَجَابِرٍ , وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ : الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ , لأََنَّهُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ وَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ ثُمَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عُمَرَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ : أَنَّ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ , وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَاَلَّتِي عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ : هُوَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سَنْدَلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهُوَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ , وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ , مِنْهُمْ : عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالزُّهْرِيِّ , وَقَتَادَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَابْنِ شُبْرُمَةَ , وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْمُكَاتَبُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ : صَحَّ ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ إسْنَادًا إلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إذَا أَدَّى نِصْفَ مُكَاتَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الشَّطْرَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَفْسِهِ , قَالَ عُمَرُ : إذَا أَدَّى الشَّطْرَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا قَوْلَ عَلِيٍّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُمَا إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ : رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إذَا أَدَّى الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ : رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ رَأْيِهِ قَالَ : وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ : قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ : قَوْلُ شُرَيْحٍ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ. قال أبو محمد : هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ ; لأََنَّ الشَّعْبِيَّ صَحِبَ شُرَيْحًا , وَشُرَيْحٌ صَحِبَ ابْنَ مَسْعُودٍ , وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا , إذَا أَدَّى نِصْفَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ ; لأََنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَعًا , وَلاَ يَتَمَانَعَانِ , وَهُوَ أَنْ يَكُونَ يَرَى إنْ أَدَّى الأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ , أَوْ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ , أَيَّهُمَا أَدَّى فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ النَّخَعِيِّ : إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثَمَنَ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ , قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَهُوَ غَرِيمٌ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ; لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ , وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ضَعِيفٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ , قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ : يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ , قَالَ : الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ : تُجْزِي الْعَتَاقَةُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوَّلِ نَجْمٍ. قال أبو محمد : وَجَمِيعُ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةً , إِلاَّ أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَقْوَى مِنْ تَحْدِيدِ مَالِكٍ مَا أَبَاحَ لِذَاتِ الزَّوْجِ الصَّدَقَةَ بِهِ , وَمَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ , وَمَا لَمْ يُسْقِطْ. وَمِنْ تَحْدِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ مِمَّا يَنْكَشِفُ مِنْ رَأْسِ الْحُرَّةِ , أَوْ مِنْ بَطْنِهَا , أَوْ مِنْ فَخِذِهَا مِنْ رُبُعِ كُلِّ ذَلِكَ. وَمِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّونَ لَهَا (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) فَلَيْسَتْ أَضْعَفَ , بَلْ لِهَذِهِ مَزِيَّةٌ ; لأََنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , إِلاَّ أَنَّ مَنْ قَالَ : الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ , فَاحْتَجُّوا بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي الْكَذِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : : الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ , لَمْ يُعْرَفْ قَطُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ , وَلاَ مِنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ , وَلاَ مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ , وَلاَ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ , وَلاَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ , وَلاَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ , إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ , وَأَحَادِيثُ هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ , وَلاَ نَدْرِي مَنْ مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَصَحِيفَةٌ , عَلَى أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِيهِ. قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ , وَأَيُّمَا عَبْدٌ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ). وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : مَنْ كَاتَبَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَبْدٌ , أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إِلاَّ أُوقِيَّةً فَهُوَ عَبْدٌ. عَطَاءٌ هَذَا الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْئًا , وَلاَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , إِلاَّ مِنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُعَلِّلُ خَبَرَ عَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِيهِ وَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْعَوْرَةِ , وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهَا كَمَا تَرَى فَإِنْ قَالُوا : هُوَ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ , وَمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَهْتِكَ سِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُخُولِ مَنْ لاَ يَحِلُّ دُخُولُهُ عَلَى أَزْوَاجِهِ قلنا : صَدَقْتُمْ , وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِنَّ دُخُولَ الأَحْرَارِ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ , وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَهُوَ عَبْدٌ , وَمَا دَامَ يَبْقَى عَلَيْهِ فَلْسٌ فَلَيْسَ حُرًّا , لَكِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ عَبْدٌ , وَلَمْ يُنْهَيْنَ قَطُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. فإن قيل : هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قلنا : فَكَانَ مَاذَا وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفْتُمْ فِيهَا الْجُمْهُورَ نَعَمْ , وَأَتَيْتُمْ بِقَوْلٍ لاَ يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ. وَهَذَا الشَّافِعِيُّ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ , وَفِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ , وَفِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ بِمَا يَمُوتُ فِيهِ مِنْ الذُّبَابِ , وَفِي نَجَاسَةِ الشَّعْرِ , وَفِي أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي قَوْلِهِ : إنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُغَيِّرُ الزَّكَاةَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي وَضْعِهِ فِي الذَّهَبِ أَوْقَاصًا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا مَالِكٌ خَالَفَ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَفِي الْحَامِلِ , وَالْمُرْضِعِ تُفْطِرَانِ , وَفِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ وَفِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا , فَالآنَ صَارَ أَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ ، وَلاَ يَبْلُغُونَ عَشَرَةً حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا , وَقَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحَدِيثِهِ لاَ يَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا , وَلاَ عَطِيَّةٌ , إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا ، وَأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ , وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ , وَفِي إحْرَاقِ رَحْلِ الْغَالِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَعِبٌ وَعَبَثٌ فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ عَبْدًا فَهُوَ كَذَلِكَ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ , وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلاَفِ هَذَا , وَبِشُرُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِبَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ . فَقُلْنَا : نَعَمْ , وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا , هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَقُولُ , فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ وَصَحَّ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا. وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكَيْنِ مَعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً , سَوَاءٌ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ أَوْ ذَوَيْ رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ. برهان ذَلِكَ. أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى مَا يَلْزَمُ مِنْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ وَأَيْضًا : فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لاَ يُعْتَقَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إِلاَّ بِأَدَاءِ الآخَرِ , وَعِتْقُهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ , وَالْمُكَاتَبَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِمَا جَائِزٌ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ , وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا , فَإِنْ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا , فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَلاَ كِتَابَةَ لَهُمَا إِلاَّ بِعَقْدٍ مُحَدَّدٍ إنْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ أَوْ الأَمَةُ فَإِنْ أَدَّيَا شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَرُمَ وَطْؤُهَا جُمْلَةً , وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا. فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ خَاصَّةً وَصَحَّ الْعِتْقُ فِيمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا , فَإِنْ عَادَ الْجُزْءُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَوْمًا مَا لَمْ تَعُدْ فِيهِ الْكِتَابَةُ ، وَلاَ الرُّجُوعُ فِي الْكِتَابَةِ أَصْلاً , بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِلْكِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا قَابَلَ مِمَّا أَدَّيَا حُرٌّ وَمَا بَقِيَ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ قَدْ بَطَلَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ , فَإِنْ كَانَا لَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا بَعْدُ فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا , وَهُمَا رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا , فَقَدْ مَاتَا مَمْلُوكَيْنِ , وَمَالُهُمَا كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ , فَإِنْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا فَهُوَ حُرٌّ , وَيَكُونُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِمَّا تَرَكَا مِيرَاثًا لِلأَحْرَارِ مِنْ وَرَثَتِهِمَا , وَيَكُونُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا مِمَّا تَرَكَا لِلسَّيِّدِ , وَقَدْ بَطَلَ بَاقِي الْكِتَابَةِ , وَمَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا , إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مُذْ حَمَلَتْ بِهِ , فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ , فَمَا عَتَقَ مِنْهَا بِالأَدَاءِ عَتَقَ مِنْهُ. فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ ، وَلاَ يَزِيدُ قِيمَةُ الْعِتْقِ فِيهِ بَعْدُ بِأَدَائِهَا. برهان ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَيُرَقُّ بِقَدْرِ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَهَذَا يُوجِبُ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا , وَإِذْ هُوَ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ , فَبَيْعُ الْمَرْءِ عَبْدَهُ وَوَطْؤُهُ أَمَتَهُ حَلاَلٌ لَهُ , وَمَا عَلِمْنَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مَمْلُوكًا مَمْنُوعًا مِنْ بَيْعِهِ. وَمَنَعَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ مَعْقُولٍ , بَلْ قَوْلُهُمْ خِلاَفُ ذَلِكَ كُلِّهِ , لاَ سِيَّمَا احْتِجَاجُهُمْ لِقَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ بِمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ , فَإِذْ هُوَ عَبْدٌ , فَمَا الْمَانِعُ مِنْ بَيْعِهِ , وَإِذْ هِيَ أَمَةٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَأَمَّا أَمَةٌ لِغَيْرِهِ , لاَ يُعْقَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي طَبِيعَةِ الْعُقُولِ إِلاَّ هَذَا. وَلَوْ أَنَّهُمْ اعْتَرَضُوا بِهَذَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَكَانَ اعْتِرَاضِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَزَوُّجِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةَ , وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا , فَقَالُوا : لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ , فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ , أَوْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَهَذَا نِكَاحٌ بِلاَ صَدَاقٍ , لَكَانَ أَسْلَمَ لَهُمْ مِنْ الْإِثْمِ فِي الْأُخْرَى , وَمِنْ السُّخْرِيَةِ بِهَذَا الْقَوْلِ السَّخِيفِ فِي الْأُولَى. وَجَوَابُهُمْ : أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَا تَزَوَّجَهَا إِلاَّ وَهِيَ حُرَّةٌ بِصَدَاقٍ صَحِيحٍ , قَدْ حَصَلَتْ عَلَيْهِ وَآتَاهَا إيَّاهُ , كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَهُوَ عِتْقُهَا التَّامُّ قَبْلَ الزَّوَاجِ إنْ تَزَوَّجَتْهُ. وَلاَ يَخْلُو الْمُكَاتَبُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ لاَ خَامِسَ لَهَا : إمَّا أَنْ يَكُونَ حُرًّا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا أَوْ يَكُونَ عَبْدًا كَمَا يَقُولُونَ أَوْ يَكُونَ عَبْدًا مَا لَمْ يُؤَدِّ فَإِذَا أَدَّى شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقُ فَكَانَ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مَمْلُوكًا كَمَا نَقُولُ نَحْنُ أَوْ يَكُونَ لاَ حُرًّا ، وَلاَ عَبْدًا , وَلاَ بَعْضُهُ حُرٌّ , وَلاَ بَعْضُهُ عَبْدٌ , وَهَذَا مُحَالٌ لاَ يُعْقَلُ. فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ عَبْدٌ فَبَيْعُ الْعَبْدِ وَوَطْءُ الأَمَةِ حَلاَلٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ نَصَّ هَاهُنَا مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً , بَلْ قَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ , وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ : ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأََهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا : إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكَ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونُ وَلاَؤُكِ لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَتْ : ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا بَالُ النَّاسِ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ. شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ : إنَّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ لَهَا : إنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكَ وَيَكُونُ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأََهْلِهَا فَقَالُوا : لاَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ قَالَتْ : فَأَتَتْنِي فَذَكَرَتْ ذَلِكَ فَانْتَهَرْتَهَا فَقُلْتُ : لاَهَا اللَّهِ إذًا , فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ , فَقَالَ : اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلْتُ , ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ , مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي أَبِي أَيْمَنُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُ لَهَا : كُنْتُ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَمَاتَ وَوَرِثَهُ بَنُوهُ وَإِنَّهُمْ بَاعُونِي مِنْ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو الْمَخْزُومِيِّ فَأَعْتَقَنِي وَاشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الْوَلاَءَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ : دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةٌ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ : اشْتَرِينِي فَاعْتِقِينِي فَقُلْتُ : نَعَمْ , فَقَالَتْ : لاَ يَبِيعُونَنِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي , فَقُلْت : لاَ حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ , فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ لِعَائِشَةَ : اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَذَكَرْت الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُغِيثًا كَانَ عَبْدًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْفَعْ إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بَرِيرَةُ اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ , قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي بِذَلِكَ قَالَ : لاَ , إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ , فَكَانَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ : أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَبُغْضِهَا إيَّاهُ . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ رَأَيْتُ زَوْجَهَا يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ , فَكَلَّمَ لَهُ الْعَبَّاسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبَ إلَيْهَا , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَوْجُك وَأَبُو وَلَدِكِ فَقَالَتْ : أَتَأْمُرُنِي بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ , فَقَالَتْ فَإِنْ كُنْت شَافِعًا فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ , وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا , وَكَانَ يُقَالُ لَهُ : الْمُغِيثُ , وَكَانَ عَبْدًا لأَلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ : أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ بُغْضِ بَرِيرَةَ لِزَوْجِهَا وَمِنْ شِدَّةِ حُبِّ زَوْجِهَا لَهَا فَهَذَا خَبَرٌ ظَاهِرٌ فَاشٍ , رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَبَرِيرَةُ , وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَرَوَاهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةُ , وَعَنْ بَرِيرَةَ عُرْوَةُ , وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَمْرَةُ , وَأَيْمَنُ. وَرَوَاهُ عَنْ أَيْمَنَ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ , وَعَنْ عَمْرَةَ : يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ وَعَنْ الْقَاسِمِ : ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَعَنْ عُرْوَةَ : الزُّهْرِيُّ , وَهِشَامٌ ابْنُهُ , وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ النَّاسُ , وَالأَئِمَّةُ الَّذِينَ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ , فَصَارَ نَقْلَ كَافَّةٍ وَتَوَاتُرٍ لاَ تَسَعُ مُخَالَفَتُهُ وَهَذَا بَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا. وَلاَ شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ ; لأََنَّهَا صَفْقَةٌ جَرَتْ بَيْنَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ مَوَالِي بَرِيرَةَ. ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ بَيْعِهَا خُطْبَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ أَشْهَرَ مِنْ هَذَا. ثُمَّ كَانَ مِنْ مَشْيِ زَوْجِهَا يَبْكِي خَلْفَهَا فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ مَا زَادَ الأَمْرَ شُهْرَةً عِنْدَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ , فَلاَحَ يَقِينًا أَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ , إذْ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُظَنَّ بِصَاحِبٍ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَكَّدَ فِيهِ هَذَا التَّأْكِيدَ. وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ لاَ إعْطَاءُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ صَدَقَةً فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ , وَلاَ جَلْدُ عُمَرَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً زَائِدَةً عَلَى سَبِيلِ التَّعْزِيرِ فِي الْخَمْرِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا , وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُونَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلاَّ تِلْكَ الْقَوْلَةَ الْخَامِلَةَ الَّتِي لاَ نَعْلَمُ لَهَا سَنَدًا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قال أبو محمد : فَبَلَّحُوا عِنْدَ هَذِهِ , فَقَالَتْ مِنْهُمْ عُصْبَةٌ : إنَّمَا بِيعَتْ كِتَابَتُهَا. . فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ كَذِبًا مُفْتَعَلاً لِلْوَقْتِ , وَفِي الْخَبَرِ تَكْذِيبُكُمْ بِأَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقَتْهَا , وَكَانَ الْوَلاَءُ لَهَا. وقال بعضهم : إنَّهَا عَجَزَتْ . فَقُلْنَا : كَذَبْتُمْ كَذِبًا مُفْتَعَلاً مِنْ وَقْتِهِ , وَفِي الْخَبَرِ : أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ , وَالْعَبَّاسُ , وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بِهَا , وَأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ لِتِسْعِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ , وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بَعْدُ أَدَّتْ شَيْئًا. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ , وَعَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَدْخُلاَ الْمَدِينَةَ ، وَلاَ سَكَنَاهَا , إِلاَّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ , وَلَمْ يَعِشْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُذْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلاَّ عَامَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , فَأَيْنَ عَجْزُهَا وَأَيْنَ حُلُولُ نُجُومِهَا تَبَارَكَ اللَّهُ مَا أَسْهَلَ الْكَذِبَ عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فِي الدِّينِ. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : غُلاَمٌ كَاتَبْتَهُ فَبِعْته رَقَبَةً أَوْ كَاتَبْته فَعَجَزَ قَالَ عَطَاءٌ : هُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي ابْتَاعَهُ. وَقَالَهُ أَيْضًا : عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , قُلْت لِعَطَاءٍ : فَقَضَى كِتَابَتَهُ فَعَتَقَ قَالَ عَطَاءٌ : هُوَ مَوْلَى لِلَّذِي ابْتَاعَهُ قُلْت لِعَطَاءٍ : كَيْفَ وَالْكِتَابَةُ عِتْقٌ قَالَ عَطَاءٌ : كَلًّا , لَيْسَتْ عِتْقًا , إنَّمَا يُقَالُ فِي الْمُكَاتَبِ يُورَثُ فَلاَ يَبِيعُهُ الَّذِي وَرِثَهُ إِلاَّ بِإِذْنِ عَصَبَةِ الَّذِي كَاتَبَهُ. وَقَالَهُ أَيْضًا : عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَذِنَ لِي فِي بَيْعِهِ إخْوَتِي بَنُو أَبِي وَلَمْ يَأْذَنْ بَنُو جَدِّيّ قَالَ عَطَاءٌ : حَسْبُك أَنْ يَأْذَنَ لَك وَارِثُهُ مِنْ عَصَبَتِهِ يَوْمَئِذٍ , قَالَ عَطَاءٌ : وَأَمَّا مُكَاتَبٌ أَنْتَ كَاتَبْته فَبِعْته رَقَبَةً وَاَلَّذِي عَلَيْهِ : فَلاَ تَسْتَأْذِنْ فِيهِ أَحَدًا , فَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ لِلَّذِي ابْتَاعَهُ , وَإِنْ عَتَقَ فَهُوَ مَوْلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ. فَهَذَا عَطَاءٌ , وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : يُجِيزَانِ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بِلاَ عَجْزٍ , وَلَمْ يُخَالِفْهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إجَازَةِ بَعْضِهِمْ بَيْعَ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ حَرَامٌ لأََنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ , وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ رَقَبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ وَهُوَ حَلاَلٌ طَلْقٌ. ثُمَّ قَالُوا : إنْ أَدَّى فَعَتَقَ فَوَلاَؤُهُ لِبَائِعِ كِتَابَتِهِ , وَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ رَقِيقٌ لِلْمُشْتَرِي كِتَابَتُهُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ لأََنَّهُ بَيْعٌ , لاَ بَيْعٌ وَتَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ لِمَنْ لَمْ يَشْتَرِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. قال أبو محمد : وَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّهُمْ يَرَوْنَ تَعْجِيزَهُ إنْ عَجَزَ , وَإِبْطَالَ كِتَابَتِهِ , وَنَسَوْا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. فَقَالُوا : الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ . فَقُلْنَا : فَأَجِيزُوا شَرْطَهُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَطِئَهَا , كَمَا فَعَلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ , فَقَالُوا : هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى . فَقُلْنَا : وَالتَّعْجِيزُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ فَرْقَ. ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِتْقَ غُلاَمِهِ هَذَا إنْ أَفَاقَ أَبُوهُ أَوْ قَدِمَ غَائِبُهُ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ الْغَائِبُ , وَمَا لَمْ يُفِقْ الأَبُ فَهَلاَّ مَنَعُوا مِنْ هَذَا بِ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ لاَ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ الأَبِ الْمَرِيضِ , وَالْغَائِبِ قلنا : وَقَدْ لاَ يَسْتَحِقُّ الْمُكَاتَبُ الْعِتْقَ عِنْدَكُمْ بِالْعَجْزِ ، وَلاَ فَرْقَ , فَكَيْفَ وَلَيْسَ قوله تعالى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} مَانِعًا مِنْ الْبَيْعِ , وَإِنَّمَا هُوَ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُبْطِلَ عَقْدَهُ قَاصِدًا إلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ , فَقَطْ. وَأَمَّا وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ : فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , قَالَ : إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَغْشَاهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ مُكَاتَبَتَهَا فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ. وَالْعَجَبُ : أَنَّ الْمَانِعِينَ مِنْ وَطْئِهَا اخْتَلَفُوا , فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ : إنْ حَمَلَتْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : يُجْلَدُ مِائَةً , فَإِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. قَالَ عَلِيٌّ : لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُجْلَدُ مِائَةً فِي وَطْئِهِ مَنْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ إنْ حَمَلَتْ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ , وَإِنَّمَا هُوَ فِرَاشٌ أَوْ عِهْرٌ ، وَلاَ ثَالِثَ. وَقَالَ قَتَادَةُ : يُجْلَدُ مِائَةَ سَوْطٍ غَيْرَ سَوْطٍ , وَهِيَ كَذَلِكَ إنْ طَاوَعَتْهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَهَا ، وَلاَ عَلَيْهَا , فَإِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّمَادِي عَلَى الْكِتَابَةِ , وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ وَتُبْطِلُ الْكِتَابَةَ. وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ , كَقَوْلِ سُفْيَانَ , إِلاَّ أَنَّهُ زَادَ " إنْ تَمَادَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ مِنْهُ مَهْرَ مِثْلِهَا فَاسْتَعَانَتْ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا " إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا زَادَ " أَنَّهُ يُؤَدَّبُ ". قال أبو محمد : لَيْتَ شِعْرِي لأََيِّ مَعْنًى تَأْخُذُ مِنْهُ مَهْرًا أَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ هَذَا الْبَاطِلِ أَمْ هِيَ بَغْيٌ فَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْرَ الْبَغْيِ , أَمْ هِيَ مِلْكُ يَمِينِهِ فَهِيَ حَلاَلٌ ، وَلاَ مَهْرَ لَهَا أَمْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ بِصِفَةٍ , كَالْحَائِضِ , أَوْ الصَّائِمَةِ , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَتَخْلِيطٌ لاَ يُعْقَلُ وقال الشافعي : يُعَزَّرَانِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا , وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ وَطْئِهَا بِأَنْ قَالُوا : قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَصَارَتْ فِي يَدِ نَفْسِهَا , كَالْمَرْهُونَةِ. قال علي : هذا كَذِبٌ , مَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ , وَلاَ عَنْ مِلْكِهِ , إِلاَّ بِالأَدَاءِ فَقَطْ , وَالدَّعْوَى لاَ تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ , وَالْمَرْهُونَةُ حَلاَلٌ لِسَيِّدِهَا , وَالْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا مُخْطِئٌ وَهَذَا احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ , وَلِلدَّعْوَى بِالدَّعْوَى , وَلِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ. وَقَالُوا : قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ مَنَافِعِهَا وَوَطْؤُهَا مِنْ مَنَافِعِهَا. قال أبو محمد : هَذَا كَذِبٌ , بَلْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَتِهَا , وَمِلْكُ رَقَبَتِهَا مِنْ مَنَافِعِهَا , وَإِنَّمَا الْحَقُّ هَاهُنَا أَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ بِلاَ خِلاَفٍ , فَلاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ مِنْهُمَا إِلاَّ مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ , وَلاَ نَصَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ. وقال بعضهم : وَطْؤُهَا كَإِتْلاَفِ بَعْضِهَا وَهَذَا غَايَةُ السُّخْفِ وَلَئِنْ كَانَ كَإِتْلاَفِ بَعْضِهَا إنَّهُ لَحَرَامٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ , كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلاَفُ بَعْضِهَا ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ تَعُدْ الْكِتَابَةُ " فَلأََنَّ كُلَّ عَقْدٍ بَطَلَ بِحَقٍّ فَلاَ يَرْجِعُ إِلاَّ بِابْتِدَاءِ عَقْدِهِ , أَوْ بِأَنْ يُوجِبَ عَوْدَتَهُ بَعْدَ بُطْلاَنِهِ نَصٌّ , وَلاَ نَصَّ هَاهُنَا. وَأَمَّا إذَا أَدَّيَا شَيْئًا فَقَدْ شُرِعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا بِمِقْدَارِ مَا أَدَّيَا , وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ حُرٍّ ، وَلاَ بَيْعُ جُزْءِ حُرٍّ , وَلاَ وَطْءُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ ; لأََنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينِهِ حِينَئِذٍ , بَلْ بَعْضُهَا مِلْكُ يَمِينِهِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مِلْكِ يَمِينِهِ وَالْوَطْءُ لاَ يَنْقَسِمُ , وَلاَ يَحِلُّ وَطْءٌ حَرَامٌ أَصْلاً , فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ زَانٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ , وَالْوَلَدُ غَيْرُ لاَحِقٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَلَهُ بَيْعُ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْهُمَا , وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ الَّتِي فِي مِلْكِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ مَاتَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ , أَوْ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ مِنْهُ " فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ وَقَالَ هَؤُلاَءِ : إنَّمَا يَرِثُونَ الْكِتَابَةَ وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِهِمْ ; لأََنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ دَيْنًا ، وَلاَ مَالاً مُسْتَقِرًّا وَاجِبًا , فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ : إنَّهَا تُورَثُ. وَأَمَّا مَوْتُ الْمُكَاتَبِ : فَفِيهِ خِلاَفٌ قَدِيمٌ , وَحَدِيثٌ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ , رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ , قَالَ : قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ , وَلَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ : أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَرَثَةٌ : إنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِيمَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ : هُوَ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَقَتَادَةَ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : غَيْرَ هَذَا , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ , قَالَ حَمَّادٌ : ، حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ , وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ , ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ عَلِيٍّ فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ قَالَ : يُؤَدِّي مِمَّا تَرَكَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ , وَيَصِيرُ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِوَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ , كِلاَهُمَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً : أَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ , وَمَا فَضَلَ رُدَّ عَلَى وَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ وَبِهِ كَانَ يَقْضِي شُرَيْحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ : أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ وَمَالٌ : أَنْ يُعْطَى سَيِّدُهُ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ , وَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِوَلَدِهِ الأَحْرَارِ . وَبِهِ يَقُولُ مَعْبَدٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ , وَابْنِ سِيرِينَ , وَالنَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ : إنَّ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلاَدٌ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ , وَأَوْلاَدٌ لَيْسُوا مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ : فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ , ثُمَّ يَقْسِمُ وَلَدُهُ جَمِيعًا مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : غَيْرَ هَذَا , كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ قَلَّدَهُ : أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ كَانَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ أُمُّهُ وَأَبُوهُ وَالْجَدُّ , وَالْجَدَّةُ وَبَنُوهُ وَبَنَاتُهُ , وَبَنُو بَنِيهِ وَبَنُو بَنَاتِهِ , وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ , وَزَوْجَاتُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ ذَكَرْنَا , وَقَدْ كَانَ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ ذَكَرْنَا كِتَابَةً وَاحِدَةً , وَكَانَ لَهُ أَوْلاَدٌ أَحْرَارٌ , وَإِخْوَةٌ أَحْرَارٌ , وَأَبَوَانِ حُرَّانِ , فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالاً , فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ , وَيَرِثُ مَنْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مَا بَقِيَ عَلَى قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ. ، وَلاَ يَرِثُهُ أَبٌ حُرٌّ , وَلاَ أُمٌّ حُرَّةٌ , وَلاَ أَوْلاَدٌ أَحْرَارٌ , وَلاَ إخْوَةٌ أَحْرَارٌ , أَصْلاً , كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ : فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مَنْ لاَ يُعْتَقُ عَلَى الْمَرْءِ إذَا مَلَكَهُ , كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ , وَابْنِ الأَخِ , فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ , وَالْمَالُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ : فَمَرَّةً قَالَ : يَرِثَانِ إذَا كَانَا مَعَهُ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَرَّةً قَالَ : لاَ يَرِثَانِهِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ : أَنَّهُمَا لاَ يَرِثَانِ إذَا لَمْ يَكُونَا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ , وَهَذِهِ فَرِيضَةُ مَا سُمِعَ بِأَطَمَّ مِنْهَا , وَهِيَ خِلاَفُ الْقُرْآنِ , وَالسُّنَنِ , وَالْمَعْقُولِ , وَقَوْلُ كُلِّ أَحَدٍ يُعْرَفُ قَوْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالشَّعْبِيِّ , كِلاَهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ : الْمُكَاتَبُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ : أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ : إنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَيُجْلَدُ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى , وَيَكُونُ دَيْنُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُكَاتَبِ فَقَالَ : إذَا أَدَّى قِيمَةَ رَقَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ , وَإِنْ مَاتَ أَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةَ مُكَاتَبَتِهِ , وَوَرِثَ وَلَدُهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ , وَوَرِثَ مَوَالِيهُ بِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَخَاذُلُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ , وَيَكْفِي مِنْهُ أَنْ لاَ يُعْرَفَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ , وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ , وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ , وَلاَ قِيَاسٌ , وَلاَ يُعْقَلُ. وقال بعضهم : لَمَّا كَانَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ , وَلاَ حُكْمِ الأَحْرَارِ : وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِمِيرَاثِهِ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرَ حُكْمِ الْعَبِيدِ فِي مِيرَاثِهِمْ , وَغَيْرَ حُكْمِ الأَحْرَارِ. قَالَ عَلِيٌّ : . فَقُلْنَا : فَقُولُوا هَكَذَا فِي حُدُودِهِ , وَأَخْرِجُوا لَهُ حُدُودًا طَرِيفَةً , وَقُولُوا كَذَلِكَ فِي دِيَتِهِ , وَقُولُوا بِمِثْلِ هَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ , فَكَيْفَ وَأَصْلُكُمْ هَذَا بَاطِلٌ , وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ , وَلاَ فَرْقَ عِنْدَكُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ , إِلاَّ أَنَّ سَيِّدَهُ , لاَ يَنْتَزِعُ مَالَهُ , وَلاَ يَسْتَخْدِمُهُ , وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالتَّكَسُّبِ فَقَطْ , كَمَا أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ , وَالأَمَةِ , إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تُبَاعُ أَبَدًا , وَلاَ تُوهَبُ أَبَدًا , وَلاَ تَعُودُ إلَى حُكْمِ الرِّقِّ أَبَدًا. وَقَالُوا أَيْضًا : هَذَا الْمَالُ كَانَ مَوْقُوفًا لِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ , فَكَانَ كَأَنَّهُ لَهُمْ . فَقُلْنَا : فَاجْعَلُوهُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ بِهَذَا الدَّلِيلِ , وَلاَ تَقْسِمُوهُ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ , وَأَدْخِلُوا فِيهِ كُلَّ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا نَدْرِي كَيْفَ انْشَرَحَتْ نَفْسُ أَحَدٍ لِقَبُولِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى شِدَّةِ فَسَادِهِ , مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ فَاسِدٌ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتَبَ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ; لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ أَيْضًا ; لأََنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا مَاتَ عَبْدًا , وَإِذَا مَاتَ عَبْدًا فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْحُرِّيَّةُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا , فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِدَقِيقَةٍ , فَإِنَّهُ مَاتَ عَبْدًا , وَلاَ تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَمَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ , فَإِنَّمَا بَنَوْا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ بَيَّنَّا بُطْلاَنَهُ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَشْرَعُ فِيهِ الْعِتْقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمَ الْحُرِّ وَلِبَاقِيهِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي الْمِيرَاثِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَمْلُ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ بَعْضُهَا كَمَا قَدَّمْنَا فَلَهُ حُكْمُهَا وَأَمَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُهَا قَالَ تَعَالَى : فإن قيل : فَهَلاَّ أَجَزْتُمْ عِتْقَ جَمِيعِ الْمُكَاتَبِ إذْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ عَتَقَ كُلُّهُ وَأَوْجَبْتُمْ الأَسْتِسْعَاءَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ قلنا : لاَ يَحِلُّ ضَرْبُ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ , وَلاَ أَنْ يُتْرَكَ حُكْمُهُ بِحُكْمٍ لَهُ آخَرَ , بَلْ كُلُّ أَحْكَامِهِ فَرْضٌ اتِّبَاعُهَا , وَكُلُّ كَلاَمِهِ حَقٌّ مَسْمُوعٌ لَهُ وَمُطَاعٌ , وَهُوَ عليه السلام أَمَرَ بِعِتْقِ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ , إمَّا عَلَى مُعْتِقِ بَعْضِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ , وَأَمَّا بِالأَسْتِسْعَاءِ , وَهُوَ عليه السلام خَصَّ الْمُكَاتَبَ بِحُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ عِتْقُ بَعْضِهِ وَبَقَاءُ بَعْضِهِ رَقِيقًا فَقَبِلْنَا كُلَّ مَا أُمِرْنَا بِهِ , وَلَمْ نُعَارِضْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ , وَمَنْ تَعَاطَى تَعْلِيمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينَ فَهُوَ أَحْمَقُ , وَكِلاَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ قَدْ صَحَّ فِيهِمَا اخْتِلاَفُ مَنْ سَلَفَ وَخَلَفَ , وَكِلاَهُمَا نَقْلُ الآحَادِ الثِّقَاتِ , فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَعْضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ تَحِلُّ الْكِتَابَةُ عَلَى شَرْطِ خِدْمَةٍ فَقَطْ , وَلاَ عَلَى عَمَلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلاَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَصْلاً , وَالْكِتَابَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمَنْ كُوتِبَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ مَا عَاشَ السَّيِّدُ [ وَهُوَ ] وَمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَمَتَى أَدَّى مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ عَتَقَ ; لأََنَّ هَذِهِ صِفَةُ كِتَابَتِهِ وَعَقْدِهِ فَلاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ , وَمَنْ كُوتِبَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى نَجْمٍ وَاحِدٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا , فَحَلَّ وَقْتُ النَّجْمِ وَلَمْ يُؤَدِّ , فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ : أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي صَدْرًا مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ يَعْجِزُ قَالَ : يُرَدُّ عَبْدًا , سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ. يَعْنِي أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ فِي الرِّقِّ , إذْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ أَدَّى نِصْفَ كِتَابَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ : إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَدْخَلَ نَجْمًا فِي نَجْمٍ رُدَّ فِي الرِّقِّ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَاتَبَ أَفْلَحَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَأَلَهُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ دُونَ أَنْ يَعْجِزَ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ بَتْلاً. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ هَؤُلاَءِ : تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ جَائِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ دُونَ السُّلْطَانِ , إِلاَّ أَنَّ لِمَالِكٍ قَوْلاً , أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّعْجِيزُ إِلاَّ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَعْجِيزِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَلاَصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى حَوْلَيْنِ زَادَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَإِنْ أَدَّى , وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَلَمْ يَقُلْ جَابِرٌ , وَلاَ ابْنُ عُمَرَ بِالتَّلَوُّمِ , بَلْ أَرَقَّهُ ابْنُ عُمَرَ سَاعَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَجَزَ . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ : إنَّهُ يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ يَعْنِي بِحِسَابِ مَا أَدَّى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : لاَ يُرَقُّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لاَ يُؤَدِّيهِمَا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : إذَا عَجَزَ اُسْتُوْفِيَ بِهِ شَهْرَانِ. وقال أبو حنيفة , وَالشَّافِعِيُّ : إذَا عَجَزَ اسْتَوْفَى بِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يُرَقُّ وقال مالك : يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَلاَ رِقَّ عَلَيْهِ , وَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُمْ. وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ : إذَا أَدَّى ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ : إذَا أَدَّى رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ عَطَاءٍ : إذَا أَدَّى ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ : إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا. قال أبو محمد : مَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ حُجَّةً , وَأَعْجَبُهَا قَوْلُ مَنْ حَدَّ التَّلَوُّمَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ , وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يَتَلَوَّمْ لَهُ السُّلْطَانُ إِلاَّ سَاعَةً , إذْ رَأَى أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ خَمْسِينَ عَامًا. ثم نقول لِجَمِيعِهِمْ : لاَ تَخْلُو الْكِتَابَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا لاَزِمًا , أَوْ تَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ لاَ دَيْنًا , وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ أَصْلاً , لاَ فِي الدِّيَانَةِ ، وَلاَ فِي الْمَعْقُولِ. فَإِنْ كَانَتْ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ الأَجَلُ فَلاَ يُؤَدِّيهِ , فَلَمْ يَأْتِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لاَ عِتْقَ لَهُ إِلاَّ بِهَا فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ ، وَلاَ عِتْقَ لَهُ , وَلاَ يَجُوزُ التَّلَوُّمُ عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ , كَمَنْ قَالَ لِغُلاَمِهِ : إنْ قَدِمَ أَبِي يَوْمِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ أَبُوهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلاَ عِتْقَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ , وَابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ , وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا. فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ عِتْقًا بِصِفَةٍ , أَوْ يَكُونَ دَيْنًا وَاجِبًا , فَلاَ سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ بِشُرُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا دَيْنٌ وَاجِبٌ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَصْلاً ; لأََنَّ أَدَاءَ بَعْضِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الَّتِي تَعَاقَدَا الْعِتْقَ عَلَيْهَا , فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ , وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ أَصْلاً وَوَجَبَتْ النَّظِرَةُ إلَى الْمَيْسَرَةِ ، وَلاَ بُدَّ. فإن قيل : فَإِذْ هِيَ دَيْنٌ كَمَا تَقُولُ , فَهَلاَّ حَكَمْتُمْ بِهِ وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ السَّيِّدُ , أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا حَكَمْتُمْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قلنا : لَمْ نَفْعَلْ ; لأََنَّ ذَلِكَ لَيْسَ دَيْنًا مُطْلَقًا , وَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَصِحُّ بِثَبَاتِ الْمِلْكِ , وَيَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ , لأََنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لِلسَّيِّدِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَدَائِهِ حُرًّا فَقَطْ بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ , وَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُ الْمُعْتِقِ , فَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ , وَبَطَلَ الشَّرْطُ عَنْ الْعَبْدِ , إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى تَمَامِهِ أَبَدًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُهُ , وَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ , فَبَطَلَ دَيْنُ السَّيِّدِ , إذْ لاَ سَبِيلَ إلَى مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الدَّيْنَ إِلاَّ بِهِ , وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا قَدْ بَطَلَ عِتْقُهُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ , فَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لاَ يَجِبُ لَهُ إِلاَّ بِمَا قَدْ بَطَلَ , وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إِلاَّ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ : إذَا أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ , فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ. برهان ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ , فَلاَ يَسْتَحِقُّ عِتْقًا إِلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهُ لَهُ بِالْعِتْقِ , وَإِلَّا فَلاَ ; لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ. وَلاَ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولِ الْعَدَدِ , وَلاَ عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ , وَلاَ بِمَا لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ , كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلاَ يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِتْقٌ أَصْلاً , وَلاَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مُحَرَّمٌ , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ صَحِيحٍ أَنَّ مَا عَقَدَا لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ فَلاَ صِحَّةَ لَهُ. وقال الشافعي : الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ تُفْسَخُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ. قال أبو محمد : هَذَا عَيْنُ الْفَسَادِ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ بِتَمَامِهِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : : لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ. وقال مالك : إذَا عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْكِتَابَةُ. قال علي : هذا غَايَةُ الْخَطَأِ , لأََنَّهُ يُلْزِمُهُمَا عَقْدًا لَمْ يَلْتَزِمَاهُ قَطُّ , وَلاَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْزَامِهِمَا إيَّاهُ , وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا الْكِتَابَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ , وَإِلَّا فَلاَ كِتَابَةَ بَيْنَهُمَا , فأما أَنْ يَصِحَّ شَرْطُهُمَا فَتَصِحَّ كِتَابَتُهُمَا , وَأَمَّا أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ فَلاَ كِتَابَةَ هَاهُنَا أَصْلاً. وقال أبو حنيفة : مَنْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ , أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ , أَوْ عَلَى مَا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِقْدَارٌ , فَهِيَ كِتَابَةُ بَاطِلٍ , وَلاَ عِتْقَ لَهُ وَإِنْ أَدَّى , وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ مَحْدُودَةٍ , أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ مَوْصُوفٍ , فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ , وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَوْلاَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا سُمِعَ بِأَنْتَنَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ , وَلاَ بِأَفْسَدَ مِنْهُ , وَهُمْ يَقُولُونَ : مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إِلاَّ أَنَّهُمَا لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ الثَّمَنَ ، وَلاَ عَرَفَاهُ , فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ , وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ وَهِيَ مَعَهُ وَأَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ. وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ هَاهُنَا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ ; لأََنَّهُمْ قَالُوا : الْعُقُودُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ جَائِزَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ , فَلَقَدْ أَنْزَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُنْزِلْهُمْ مِنْ الأَئْتِسَاءِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْكُفَّارِ , وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَهْلَ الْكُفْرِ أُسْوَةً , وَلاَ قُدْوَةً , وَإِنَّ فِي هَذِهِ لِدَلاَئِلَ سُوءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ , فَكَيْفَ وَمَا أَحَلَّ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُذْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ سَلَفًا ، وَلاَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ بِمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ , كَالْكَلْبِ , وَالسِّنَّوْرِ , وَالْمَاءِ , وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا , وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ ; لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَالٌ حَلاَلٌ تَمَلُّكُهُ , وَهِبَتُهُ , وَإِصْدَاقُهُ , وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ مُكَاتَبِهِ مُذْ يُكَاتِبُهُ , فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ; أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ : فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ , إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إذَا بَاعَهُ كُلَّهُ , وَأَمَّا فِي بَيْعِ بَعْضِهِ فَمَالُهُ لَهُ وَمَعَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ , وَقَيْسٍ , قَالَ زِيَادٌ : عَنْ الْحَسَنِ , وَقَالَ قَيْسٌ : عَنْ عَطَاءٍ , ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا : أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَاتَبَهُ مَوْلاَهُ وَلَهُ مَالٌ وَسُرِّيَّةٌ وَوَلَدٌ : أَنَّ مَالَهُ لَهُ , وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ , وَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا : مَالِكٌ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة : مَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : الْمَالُ لِلسَّيِّدِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ : مَا عَرَفَهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ , وَمَا لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. قال أبو محمد : مَالُ الْعَبْدِ لَهُ , وَجَائِزٌ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ بِالنَّصِّ , فَإِذَا كُوتِبَ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ , لاَ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ لَمْ يَتِمَّ عِتْقُهُ أَبَدًا. فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ حَالِهِ قَبْلَهَا , وَكَانَ مَالُهُ كُلُّهُ حُكْمًا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ , إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ نَصٌّ. وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ , وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْهُ , وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَوْ يُعْتِقَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذَا حَلَّ النَّجْمُ , أَوْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَتْ , فَضَمَانُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَائِزٌ , وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ ; لأََنَّهُ مَالٌ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ لِلسَّيِّدِ , وَهُوَ دَيْنٌ لاَزِمٌ , فَضَمَانُهُ جَائِزٌ. وَلَوْ بِيعَ مِنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُؤَدِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدُ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ , وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ فَلاَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَلَعَلَّهُ يَمُوتَ قَبْلَ وُجُوبِهِ , أَوْ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ. وَلاَ تَجُوزُ مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ , وَلاَ أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ ; لأََنَّهُمَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَمَا لاَ يَدْرِي أَهُوَ فِي الْعَالَمِ أَمْ لاَ وقال مالك : وَأَبُو حَنِيفَةَ : مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ , وَبِالْعُرُوضِ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مُقَاطَعَتُهُ إِلاَّ بِالْعُرُوضِ. فَخَالَفَا ابْنَ عُمَرَ , وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وقال الشافعي بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ , وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي نَصٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. وَلاَ تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ ، وَلاَ كِتَابَةُ شِقْصٍ لَهُ فِي عَبْدٍ مَعَ غَيْرِهِ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا , أَوْ إلَى أَجَلٍ , فَأَرَادَ الْعَبْدُ تَعْجِيلَهَا كُلَّهَا , أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهَا قَبْلَ أَجَلِهِ : لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُ ذَلِكَ , وَلاَ عِتْقَ الْعَبْدِ , وَهِيَ إلَى أَجَلِهَا , وَكُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إلَى أَجَلِهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ مَنْ خَالَفَنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. وقال مالك : يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَتَعْجِيلِ الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ. وقال الشافعي : إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا , وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ يُجْبَرْ. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ , لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ , وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ. وَقَدْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ فِي تَأْجِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ خَوْفٍ لَحِقَهُ أَوْ رَجَاءِ ارْتِفَاعِ سِعْرٍ لِدَيْنِهِ مِنْهُمَا , كَمَا فِي الْعُرُوضِ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ : فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا الْوَزَّانُ ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا , فَكُنْت فِي مِفْتَحِ تُسْتَرَ فَاشْتَرَيْت رَثَّةً فَرَبِحْت فِيهَا , فَأَتَيْت أَنَسًا بِجَمِيعِ مُكَاتَبَتِي , فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِلاَّ نُجُومًا , فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ , وَكَتَبَ إلَى أَنَسٍ : أَنْ اقْبَلْهَا , فَقَبِلَهَا. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَسَائِرُهَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ , فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ : لِي شَرْطِي , فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ , فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتُعْطِيه مِنْهُ فِي كُلِّ حِلٍّ مَا يَحِلُّ , فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ. قال أبو محمد : هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا إذْ رَأَى عُمَرُ , وَعُثْمَانُ إجَابَةَ السَّيِّدِ إلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ , وَخَالَفَهُ أَنَسٌ , وَاحْتَجَّ عُمَرُ , وَعُثْمَانُ بِالْقُرْآنِ كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً , وَكَانَ قَوْلُ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ , وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ رَأْيَ مَالِكٍ , خَالَفَهُمَا أَنَسٌ , وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ , وَهُمَا صَاحِبَانِ , وَالْقُرْآنُ : صَارَ قَوْلُ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ حُجَّةً , وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً " إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". فَإِنْ مَوَّهُوا بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْعِتْقِ قلنا : أَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ لَمْ تُوجِبُوا الْكِتَابَةَ فَرْضًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهَا وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ ذَلِكَ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَغَيْرُهُمَا. وَأَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ رَدَدْتُمْ الْمُكَاتَبَ رَقِيقًا مِنْ أَجْلِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بَقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَبَادَرْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ كُلَّ مَا أَعْطَى وَلَمْ تُؤَجِّلُوهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ , وَبَعْضُكُمْ أَيْضًا : أَمْرًا يَسِيرًا , وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ , فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَلَبِ الْعَبْدِ تَعْجِيلَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لِيَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ وَالسَّيِّدُ يَأْبَى إِلاَّ شَرْطَهُ الْجَائِزَ بِالْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْإِجْمَاعِ : فَتُجْبِرُونَ السَّيِّدَ عَلَى مَا لاَ يُرِيدُ , وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا لِيَتَعَجَّلَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ , إِلاَّ أَنَّهُ يَأْبَى إِلاَّ الْجَرْيَ عَلَى نُجُومِهِ فَلاَ تُجْبِرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ , فَهَلْ فِي التَّخَاذُلِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنَاقَضَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُكَاتَبَ مَالاً مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ , مِمَّا يُسَمَّى مَالاً فِي أَوَّلِ عَقْدٍ لِلْكِتَابَةِ , وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلِّفَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَنَاقَضَ , فَرَأَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : وَقَوْله تَعَالَى : وقال أبو حنيفة , وَمَالِكٌ : كِلاَ الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ قوله تعالى : قال أبو محمد : هَذَا خَطَأٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ " كِلاَ الأَمْرَيْنِ نَدْبٌ " فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : افْعَلُوا , عَلَى : لاَ تَفْعَلُوا إنْ شِئْتُمْ ، وَلاَ يَفْهَمُ هَذَا الْمَعْنَى أَحَدٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَهَذِهِ إحَالَةٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ وَرَدَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّهُ أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ " فَبَاطِلٌ ; لأََنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : فَكَاتِبُوهُمْ. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالْكِتَابَةِ لَهُمْ : هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِتْيَانِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ , لاَ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الأَمْرِ غَيْرَ هَذَا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَحَكُّمُهُمْ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ : أَنَّهُ حَثَّ عَلَيْهِ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَمَرَ بِذَلِكَ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ , فَهَؤُلاَءِ رَأَوْهُ وَاجِبًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ , وَالْمُغِيرَةِ , قَالَ يُونُسُ : عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ : عَنْ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ اتَّفَقَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَشَهِدْته كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَحَطَّ عَنْهُ أَلْفًا فِي آخِرِ نُجُومِهِ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ : وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ الرُّبُعَ مِمَّا تُكَاتِبُوهُمْ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى : وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي أَنَّهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو شَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَاتَبَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَيَّةَ , فَجَاءَهُ بِنَجْمِهِ حِينَ هَلَّ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا أَبَا أُمَيَّةَ اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ نَجْمٍ فَقَالَ عُمَرُ : لِعَلِيٍّ لاَ أُدْرِكُهُ , قَالَ عِكْرِمَةُ ثُمَّ قَرَأَ : وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّيّ عَنْ أَبِي عَنْ جَدِّي عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَحْدَرِيِّ قَالَ الْمُبَارَكُ : وَحَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ جَابَانَ عَنْ عَمِّي عَنْ جَدِّي , قَالَ : سَأَلْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْمُكَاتَبَةَ قَالَ لِي : كَمْ تَعْرِضُ قُلْت : مِائَةَ أُوقِيَّةٍ , قَالَ : فَمَا اسْتَزَادَنِي , قَالَ : فَكَاتِبْنِي وَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كَاتَبْت غُلاَمِي , وَأَرَدْت أَنْ أُعَجِّلَ لَهُ طَائِفَةً مِنْ مَالِي فَأَرْسِلِي إلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَنِي شَيْءٌ فَأَرْسَلَتْ بِهَا إلَيْهِ , فَأَخَذَهَا عُمَرُ بِيَمِينِهِ وَقَرَأَ : وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ خُذْهَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا قال أبو محمد : لَقَدْ كَانَ أَشْبَهَ بِأُمُورِ الدِّينِ , وَأَدْخَلَ فِي السَّلاَمَةِ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , وَأَنْ يَقُولُوا : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ , حَيْثُ يَقُولُونَ مَا يُضْحِكُ الثَّكَالَى , وَيُبْعِدُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى , وَمِنْ الْمَعْقُولِ : أَنَّهُ إنْ انْكَشَفَ فِي فَخِذِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلاَةِ , أَوْ مِنْ السَّاقِ , أَوْ مِنْ الْبَطْنِ , أَوْ مِنْ الذِّرَاعِ , أَوْ مِنْ الرَّأْسِ الرُّبُعُ : بَطَلَتْ الصَّلاَةُ , فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلاَةُ , لاَ سِيَّمَا وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ قَالَ : رُبُعُ الْكِتَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَبِيبٍ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ قَالَ : رُبُعُ الْكِتَابَةِ , قَالَ عَلِيٌّ : فإن قيل : فَلَمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ قلنا : لأََنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِ عَطَاءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ : تَغَيَّرَ حِفْظُ ابْنِ السَّائِبِ بَعْدُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ : كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لاَ يَرْوِي حَدِيثَ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ عَنْ شُعْبَةَ , وَسُفْيَانَ قال أبو محمد : فَصَحَّ اخْتِلاَطُهُ , فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْتَجَّ مِنْ حَدِيثِهِ إِلاَّ بِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ اخْتِلاَطِهِ , وَهَؤُلاَءِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْهُ إِلاَّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَمَّا هُمْ فَإِذَا وَافَقَ الْخَبَرُ رَأْيَهُمْ لَمْ يُعَلِّلُوهُ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ فَلاَ حُجَّةَ لأََهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ بِحَدِيثِ كِتَابَةِ سَلْمَانَ رضي الله عنه وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام : أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَقْضِ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالُوا : فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيتَاءَ مَالِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. أَمَّا خَبَرُ سَلْمَانَ فَإِنَّ مَالِكَهُ كَانَ يَهُودِيًّا غَيْرَ ذِمِّيٍّ , بَلْ مُنَابِذٌ لاَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الإِسْلاَمِ , فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا. وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ إيتَاءِ الْمَالِ , وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهُ فِيمَا أَجَازَهُ فِيهِ نَصًّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إحْيَاءِ ثَلاَثِمِائَةِ نَخْلَةٍ , وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى , وَلاَ مَقْبُوضَةً , وَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا , فَسُبْحَانَ مَنْ أَطْلَقَ أَلْسِنَتَهُمْ بِهَذِهِ الْعَظَائِمِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الْحَيَاءُ , وَأَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الدِّينُ. وَأَمَّا خَبَرُ جُوَيْرِيَةَ : فَلَيْسَ فِيهِ عَلَى مَاذَا كَاتَبَهَا , وَلاَ هَلْ كَاتَبَ إلَى أَجَلٍ أَمْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ , فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي إجَازَةِ الْكِتَابَةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ , وَكُلُّ كِتَابَةٍ أَفْسَدُوهَا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا إيتَاءَ الْمَالِ , فَلَيْسَ فِيهِ : أَنَّهَا لَمْ تُؤْتِ الْمَالَ , فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ , فَكَيْفَ وَهِيَ كِتَابَةٌ لَمْ تَتِمَّ بِلاَ شَكٍّ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مَوْلاَةً لِثَابِتٍ , وَلاَ لأَبْنِ عَمِّهِ , بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالُوا : لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ مَحْدُودَ الْقَدْرِ. قال أبو محمد : . فَقُلْنَا : مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عَطَاءً يَكِلُهُ إلَى اخْتِيَارِنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَيْنَاهُ كُنَّا قَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا. وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا فِي الْمُتْعَةِ الَّتِي رَآهَا الْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ فَرْضًا وَهِيَ غَيْرُ مَحْدُودَةِ الْقَدْرِ وَهَلَّا قَالَ هَذَا الْمَالِكِيُّونَ فِي الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً وَهُوَ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَا أَوْجَبُوا فِيهِ الْحُكُومَةَ فَرْضًا مِنْ الْخَرَاجِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ لَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَفِي ظَنِّهِمْ : أَنْ يَتَعَقَّبُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَهُ بِمَا لاَ يَتَعَقَّبُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يُشَرِّعُونَهُ فِي الدِّينِ بِآرَائِهِمْ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. تَمَّ كِتَابُ الْكِتَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|